تُعد مدينة إسطنبول، بتاريخها العريق وامتدادها الجغرافي الشاسع، قلبًا نابضًا بالحياة الاقتصادية والثقافية في تركيا. ومع هذا النمو المتسارع، يزداد التحدي المتمثل في توفير بنية تحتية متطورة للمواصلات العامة قادرة على استيعاب التدفق الهائل للمواطنين والزوار. وفي هذا السياق، يبرز مشروع مترو "عمرانية-أتاشهير-غوزتبه" كإنجاز بالغ الأهمية، يُتوقع له أن يحدث نقلة نوعية في منظومة النقل الحضري في المدينة، وأن يعيد رسم خريطة المواصلات، مخففًا الازدحام المروري ومحسنًا جودة حياة السكان.
يشهد مشروع مترو "عمرانية-أتاشهير-غوزتبه" تقدمًا ملحوظًا بوتيرة متسارعة، حيث تعمل بلدية إسطنبول جاهدة على إنجازه وفقًا للجدول الزمني المحدد. يمتد هذا الخط الحيوي على طول 13 كيلومترًا، ويضم 11 محطة استراتيجية، تم اختيار مواقعها بعناية لتغطية المناطق الأكثر حيوية وازدحامًا في المدينة. ومن المتوقع أن يساهم هذا الخط في تقليص زمن الرحلة بين نقطتي البداية والنهاية إلى 21 دقيقة فقط، وهو إنجاز كبير بالنظر إلى الازدحام المروري الذي تعاني منه إسطنبول في ساعات الذروة. علاوة على ذلك، يتمتع هذا الخط بقدرة استيعابية عالية تصل إلى 44 ألف راكب يوميًا في اتجاه واحد، مما يعكس حجم الفائدة التي سيجنيها سكان إسطنبول من هذا المشروع الضخم.
يمتد مسار الخط الجديد M12 من محطة "غوزتبه 60 ييل باركي" وصولًا إلى محطة "عمرانية كاظم كارابكير ماهاليسي"، مرورًا بأحياء رئيسية وحيوية في مناطق كاديكوي، أتاشهير، وعمرانية. وتعد هذه المناطق من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان والنشاط التجاري، مما يجعل هذا الخط شريانًا حيويًا يربط بينها ويسهل حركة الأفراد والبضائع. من بين المحطات البارزة على طول هذا الخط: غوزتبه، يني صحراء، أتاشهير، وتشارشي، حيث تقع هذه المحطات في مواقع استراتيجية تسهل الوصول إليها من مختلف الأحياء المحيطة بها.
وفقًا للمخطط الحالي، من المقرر أن يدخل هذا الخط الخدمة مع نهاية عام 2025، وهو موعد ينتظره سكان إسطنبول بفارغ الصبر. يعتبر هذا الموعد بمثابة نافذة أمل لتخفيف الضغط على الطرق الرئيسية وتوفير بديل عملي وسريع للمواطنين، خاصة أولئك الذين يعانون من طول مدة التنقل اليومي.
تكمن أهمية هذا المشروع في قدرته على التكامل مع خطوط المترو الأخرى في المدينة، مما يخلق شبكة نقل متكاملة تسهل حركة الركاب وتوفر لهم خيارات متعددة للوصول إلى وجهاتهم المختلفة. على سبيل المثال، ستتصل محطة "غوزتبه" بخط "هالكالي-غِبْزه"، بينما ستتصل محطة "يني صحراء" بخط "كاديكوي-كارتال-تاوشانتبه"، وستتصل محطة "تشارشي" بخط "أُسكودار-عمرانية-تشيكمكوي/سانجاكتبه". هذا التكامل يضمن سلاسة التنقل بين الخطوط المختلفة وتقليل الحاجة إلى استخدام وسائل النقل الأخرى، مما يساهم في تقليل الازدحام المروري والتلوث البيئي.
إن مشروع مترو "عمرانية-أتاشهير-غوزتبه" لا يمثل مجرد إضافة جديدة إلى شبكة المواصلات العامة في إسطنبول، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل المدينة. فهو يساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين من خلال توفير وسيلة نقل سريعة ومريحة وآمنة، كما يدعم النمو الاقتصادي من خلال تسهيل حركة الأفراد والبضائع. علاوة على ذلك، يعكس هذا المشروع التزام بلدية إسطنبول بتطوير بنية تحتية مستدامة وقادرة على تلبية احتياجات المدينة المتزايدة.
يمكن القول بثقة أن مشروع مترو "عمرانية-أتاشهير-غوزتبه" يمثل نقلة نوعية في المواصلات العامة في إسطنبول. إنه مشروع طموح يعكس رؤية استراتيجية لتطوير المدينة وتحسين جودة حياة سكانها. ومع اقتراب موعد الافتتاح في عام 2025، تتزايد الآمال والتوقعات بأن يساهم هذا الخط في إعادة رسم خريطة المواصلات في إسطنبول وتوفير مستقبل أفضل للجميع.